استشارات

اطرحوا قضاياكم لتجد كل اهتمام ومتابعة بالتعاون معكم ومع الخبراء والمختصين والمتابعين

الثلاثاء، 17 نوفمبر 2009

عن بؤس الرياضة العربية 2



الشعب الجزائري يرفض التخريب والعنف




كانت الأجواء اليوم خالية من كل التشنجات التي أعقبت حادثة الحافلة الأليمة في القاهرة بعد ظهر الخميس الماضي, ذلك أن التطورات التصعيدية, والأجواء العبثية التي صاحبتها, لا يمكن أن تمر دون أن يتخذ منها أهل الرأي والحكمة وعامة الناس غير المغرضين موقفا فاصلا, لقد حدث ما حدث وما زال لم ينته تماما, حيث إن عددا من أنصار الفريق لا زالوا لم يعودوا من القاهرة, ولا شيء يطمئن على مصيرهم, وخاصة بعد وصول أفواج متلاحقة من العائدين ورواياتها المؤثرة.الوضع أخذ يسير نحو الانفراج بتزايد أعداد العائدين مما يجعل أهاليهم وأصدقائهم ومعارفهم يهدأون بالرغم من انشغالهم بمصير الآخرين لم يصلوا بعد, لكن كل هذا ومعه آثار ما حصل وتأجيج نيران الثأر والحقد والفتنتة من عناصر مشبوهة أو ذات مصلحة سياسية أو غيرها, واستغلال عواطف الناس ومشاعرهم الطبيعية العفوية, كل هذا لم يمنع الأغلبية الساحقة من الناس ذوي النيات الحسنة, وذوي الفكر والتوجه الوطني والقومي والديني السليم الذين لم تنطل عليهم كل أساليب الإثارة والتبرير الحاقد والمتعصب والمبيت لنيات سيئة بالرغم من وجود حجج قوية في أيديهم يصعب اعتراضها, لكن الذي حدث قد حدث وربما تم إصلاحه إن تحركت الجهات السياسية في البلدين في الاتجاه السليم, وسواء طال الزمن أو قصرفإنها سوف تفعل يوما, بحكم الروابط الطبيعية التي يستحيل فصمها بين الشعبين, فإن الجزائر العميقة الشعبية والمتنورين من القوى الحية في البلد, قد ارتأت أن الخطأ لا يمكن أن يصلح بالخطأ, ولا بد من إيقاف مسلسل التخريب والعنف فورا, لأنه اتجاه غير سليم وخطير ولا مبرر له مهما كانت الظروف ولا فائدة منه ترجى ولا طائل من ورائه أبدا. وأي معالجة لما حصل يجب أن تكون في إطار سليم مفيد وبناء وبالطرق الشرعية والقانونية, هكذا كان القرار الشعبي والنخبوي الحكيم بأن يقف العبث بالممتلكات واحتمال التعرض للأشخاص أي كانوا وعلى وجه الخصوص ضيوفنا الكرام من إخواننا المصريين الذين لا ذنب لهم فيما جرى ولا مسؤولية لهم فيه, ومهما كان من أمر فإن تقاليدنا وقيمنا لا تسمح إطلاقا بالإساءة للضيف مهما كانت , ثم إن التخريب والعنف إذا انطلقا وأفلتا من زمام المراقبة والتحكم فإنهما لا يعرفان الحدود ولا يتوقفان ولا يميزان أبسط تمييز, وهما بالتجربة التي ندركها عميق الإدراك سرعان ما يتحولا إلى آلة كاسحة لكل شيء دون تمييز, فالتخريب والعنف اللذان يستندان إلى حجج اليوم يتستران وراءها فإنهما مع مرور الوقت يفقدان الحاجة إلى التستر ويخرجان على الناس بوجه سافر يحصد كل ما يصادفه في طريقة بلا تمييز وبلا بحث عن مبرر أي كان, لذلك وجب إطفاء نار الفتنة في المهد ورفضها رفضا مبدئيا وقيميا ومصلحيا, فكان أن هدأت الأمور تماما, وانصرف المنشغلون بهذه المناسبة إلى ممارسات سلمية وسليمة واحتفالية صحية لا تثير استياء أحد, بل تضفي الكثير من البهجة والحبور على الحياة العامة وعلى الأحياء المدن, غير أنه محليا لا بد من التنبه واليقظة إلى إمكانة صدور بعد الهزات المفاجئة والمعزولة التي يدبرها المتربصون ممن في أنفسهم مرض من المتربصين بالجزائر وعروبتها وإسلامها والذين لا يزالون يحنون ألى الجزائر الفرنسية لا سيما وهم يلقون الدعم الكبير والمؤازرة من وراء البحر, من القوى اليمينية وخاصة منها أنصار الجزائر الفرنسية من كبار المعمرين القدماء وأبنائهم وأحفادهم, لاسيما وهم أصحاب جاه كبير ونفوذ ومال في فرنسا, لهم الصدارة وكبير التأثير, إن امتداداتهم في الجزائر والتي ترفض الانتماء العربي خاصة للجزائر ومنهم من يذهب إلى رفض الانتماء الإسلامي كذلك, هؤلاء رغم فقدانهم للسند الشعبي فإنهم يتمتعون بامتلاك وسائل ونفوذ قوية يمكن أن ترتكب حوادث يائسة معزولة وحاقدة, إن لم يستطيعوا ذلك في إطار الإساءة إلى العلاقات الأخوية بين الشعبين والبلدين الشقيقين, بمعنى أنهم إذا عجزوا عن الإساءة للعلاقات الأخوية الجزائرية المصرية فإنهم قادرون على الإساءة للمصالح الجزائرية وحدها, وهم على استعداد لكل إساءة انتقامية من استقلال الجزائر عن فرنسا, الذي يرفضونه كل الرفض.



كل هذا لا يمنعنا من تذكير أولئك الذين تسببوا في خلق فرصة لكل من له نية الإساءة والتخريب, بكل أنواعه وألوانه وأغراضه, وأنه لابد من التذكير من أن حملة الإثارة والتشجيع على العنف وغرس روح الكراهية قد بدأت منذ شهور, وقصة المسمى عمرو أديب الذي كان ينفث السموم عبر فضائية أو فضائيات لا زالت ماثلة للعيان, وإن كنا لم نفهم مفعولها ومرماها إلا بعد حدوث الكارثة وتداعياتها ومضاعفاتها, ثم إنه لا بد من قول الحق والحقيقة وليتحمل كل واحد مسؤولية أفعاله, فإن الإعلام في الجزائر ولا أقول الجزائري كما أقول في مصر ولا أقول المصري وإلا وقعنا في الفخ وانطلت علينا الحيلة, فالذين قاموا بهذا الشحن البغيض والتخريبي لا يمكن أن يكون لهم انتباء وطني نزيه وشريف, إن ضرورة ذكر الحقائق تقتضي القول إن الإعلام الحكومي في الجزائري بكل أنواعه كان بعيدا كل البعد عن تهيئة أجواء الفتنة, أما الإعلام المستقل وهو عبارة عن عدد من الجرائد المستقلة فإنه لم يباشر هذه الحملة بشكل سافر وغير مبرر, وإنما قام ببعض الردود عن عمرو أديب هذا وأشباهه, ولا يفوتنا أن نذكر بأن الكثير من إخواننا المصريين قد رفضوا وردوا على تلك الحملة الغريبة, وعلى عمرو هذا بالذات, ثم نضيف أن الإعلام في الجزائر قد انخرط في هذه العملية مؤخرا عندما بلغت ما أسميه الحرب الإعلامية بعد مباراة الرابع عشر من نوفمبر وليس قبله, كما أستطيع القول إن هذه الحملة قد بدأت تتراجع بشكل ملحوظ اليوم بعد اجتماع اتحاد الناشرين أمس, والذي أصدر بيانا يندد فيه بما تعرض له الفريق وأنصاره, ويدعو السلطات الجزائرية إلى تحمل مسؤولياتها والسعي لدى الفيفا لتطبق قوانينها في هذا الشأن, كما يدعو إلى التوقف فورا عن التخريب والعنف بكل إشكالهما ومنهما بالطبع العنف اللفظي والحملات الإعلامية, ولا يفوتنا بهذه المناسبة الأليمة أن نستغرب موقف السلطات في البلدين من الوقوف موقف المتفرج عن الحملات الإعلامية السيئة والمسيئة والتي كانت واضحة الاتجاه إلى تأجيج روح العنف والكراهية والحقد, ثم إنها أي هذه السلطات ذاتها لم تتصد للعنف عند انطلقه ولم تضع له حدا حاسما سريعا, بل وقفت موقف المتفرج كما فعلت مع الحملة الإعلامية, بطبيعة الحال فإن هذا ليس من أجل سواد عيون كرة القدم وإنما من أجل خدمة أغراض سياسية ضيقة ورديئة وشعبوية, بعضها كان له الأثر الطيب وذلك من غرائب الأمور, فقرار السلطة الجزائرية ببعث بضعة آلاف من الشباب إلى الخرطوم ليناصر الفريق الوطني وإرفاقه بأطباء وبفرق للحماية المدنية وإعلاميين رغم أني اعتبرته عند صدوره نوعا من التصعيد وانتقدته لذلك, إلا أنه أثر إيجابيا في تهدئة الأجواء وكان سندا مهما لقرار الرفض الشعبي والنخبوي للعنف والتخريب والإساءة أي كانت لإخواننا المصريين الضيوف, قد يكون ذلك حصل بمحض الصدفة كما قد يكون مدروسا ومقصودا, لا ندري ولكن لا بد من ذكر الأثر الحسن الذي أحدثه, أملنا أن يكون هذا الذي حدث وهو أمر فظيع وغريب أن يكون درسا بليغا يستفيد منه شعبانا الشقيقان وغيرهما من شعوب أمتنا, وقد يكون ذلك هو المبرر الوحيد للدماء التي سالت والمعاناة التي وقعت, وللنفوس التي تعذبت, وغيرها من الآثار السلبية لحادثة من أغرب ما تكون الحوادث, وإنها لفرصة مواتية للشعوب ونخبها المخلصة وذوي النيات الحسنة مهما كانت انتماءاتهم ومواقعهم أن يتحلوا باليقظة والحذر ويتصدوا بكل حزم وحسم لكل من تسول له نفسه بمحاولة إشعال نار الفتنة داخل الشعب الواحد أو بين الشعوب الشقيقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق